كانت خطتي أول أمس أن أزور دار الأوبرا المصرية بأرض الجزيرة ..
أردت أن تكون زيارتي مبكرة ، في التاسعة صباحا صعدت إلى قاعة الاستماع الموسيقي ..
قدمت رسم الاستماع الرمزي ، قالت موظفة الشباك : ممنوع يا أستاذ؟
قلت في سري : ياخبر أبيض ، لقد سافرت من الفجر حتى يمكنني أن التمس بعض روائع الغناء الشرقي في هذه القاعة المكيفة .. فماذا حدث؟
. سألتها ببراءة الريفي: ممنوع ؟ لماذا؟
ردت بابتسامة شاحبة : الريس سيحضر الحفل السنوي؟
قلت محاولا إقناعها : لكن الوقت مبكر ، وسيادته سيأتي في التاسعة مساء ، ومازال الوقت طويلا !
غمغمت : تعليمات الأمن .
قبل أن اعترض ، رأيت ثلاثة من أصحاب الكابات الزرقاء بمناكب عريضة ينظرون ناحيتي في توجس .
عرفت أنهم ارجال لحرس الجمهوري ، وكان معهم كلب "هول " يصل طوله للباب بلا أي مبالغة ، وقد سحب ـ أقصد الكلب ـ صاحبه الجندي نحو القاعة .
قلت في بالي : لا يجوز الاستماع للموسيقي في حضرة الكلاب .
توجهت إلى حديقة الأوبرا ، وتلمست طريقي نحو باب مترو الأنفاق . كان موصدا ، ورتب أعلى ترمق الناس في اتهام غير محدد ،وثمة كلب آخر ظل ينظر للغادين والرائحين في قلق .
قلت لا مفر من الذهاب إلى مكتبة المجلس الأعلى للثقافة . ألقيت تحية الصباح على الآنسة : هيه إجازة برضه علشان الريس؟
ضحكت : لا . هنا بعيد . تفضل .
وقفت أقلب في الكتب الجديدة ، ولم تمر دقائق حتى دخل صديقي الدكتور رمضان بسطاويسي أستاذ النقد الأدبي وعلم الجمال .
سألني عن جزئين من " مثنوي " لمولانا جلال الدين الرومي من ترجمة الراحل االدكتور إبراهيم شتا . وجدناهما ببساطة على الأرفف المعلقة . أشتراهما الدكتور رمضان ، وابتعت نسخة من جريدة " القاهرة " ، وعزمني على فنجان قهوة في كافتيريا الأوبرا .
في الداخل كان يجلس واحد من رواد القصة التجريبية في الوطن العربي هو أمين ريان . كنت قد قابلته مرة أو اثنتين ، وتأكدت أنه لايتذكرني ، لكنه فاجاني : إزيك يا أستاذ سمير .؟
سلم بحرارة على الدكتور بسطاويسي فهو من جماعة نصوص 90 ، ومن خلقه الكريم ظل واقفا ليرحب بنا فأجلسه الدكتور .
قال لنا أن الجائزة التي تقاسمها مع المترجم الدكتور نعيم عطيه من اتحاد الكتاب لم تصرف بعد ، وأنه في انتظار الدكتور عطيه ليتباحثا في الأمر . .
جاء الجرسون ، وطلبنا الشاي والقهوة . كم هو دمث ورقيق أمين ريان ، وكم هو مهذب ووفي ، فقد حكى لنا عن أن الدكتور نعيم عطيه تعرض لظرف صحي طاريء ، وعندما اكتشف جيرانه أنه في غيبوبة من ثلاثة أيام ، فتشوا أوراقه فعثروا فيها على تليفون ريان ، وتولى هو الحالة ، حيث نقلوه للإنعاش ، والحمد لله قد شفي . كان أمين ريان مبتئسا لمرض صديقه المترجم الشهير الدكتور نعيم عطيه .
بعد نصف ساعة جاء يتوكأعلى كتف صديق له ، قمنا نرحب به ، واستأذنّا الدكتور رمضان وأنا لكي نتيح لهم فرصة الحديث بحرية .
دقائق ودخلت الدكتورة عفاف عبد المعطي ، هنأتها بالدكتوراه ، وسألتها في أي مجال . قالت: هي دراسة مقارنة بين أديبين عربيين وآخرين أمريكيين في مجال النص الروائي .
كررنا التهنئة ،ودخلت الكافتيريا أمرأة في الخمسين من العمر بالزي السوداني الشهير ، لم أكن أعرفها ، لكنها اتجهت للدكتور بسطاويسي للتحية ، عرفني بها : الأستاذة " بثينة خضر مكي .
كاتبة من السودان الشقيق ، ومن أعمالها : " النخلة والمغني " قصص1993، " فتاة القرية " قصة طويلة للأطفال 1993، " أشباح المدن " قصص1994، "أطياف الحزن " قصص 1996، "غطاء الصمت " قصص 1996، " أغنية النار " رواية 1998 ، والعمل الأخير أهدته لي مع رواية أخرى هي " صهيل النهر " 2000.
قلت والله فرصة طيبة أن التقي ببثينة ، وانضمت بعد فترة إلى الجلسة الأديبة العراقية بثينة الناصري .وكانت جلسة أدبية ممتعة حقا ، خاصة بعد أن اشتريت كتابا نقديا جديدا للصديق الناقد الشاب الدكتور سعيد الوكيل بعنوان " الجسد في الرواية العربية المعاصرة " ، ورحت أقرأ صفحات منه ، فالباحث شخص دؤوب انتظر له مستقبلا كبيرا . .
قلت في نفسي : لقد جاءت زيارة الرئيس بفائدة ، صحيح أنها حرمتني من الاستماع لموسيقاي المفضلة ، لكنها جمعتني بنخبة مثقفة من شتى أقطار الوطن العربي !!